حيوانات السيرك

هناك فعاليات مسلية قد تبهرنا ولكن وراء هذا الإبهار الكثير من الآلم في هذة المقالة نناقش نشأة السيرك وتطوره وماهي الأساليب الغير أخلاقية التي يتابعها

 يرجع تاريخ السيرك إلى العصر الروماني، والذي كانت تقام فيه حلبات لسباق عربات الخيول، وعروض الحيوانات المروضة، والتي كانت أشهرها عروض الصراع بين الحيوان والإنسان، حيث استخدمت الأسود والدببة لأجل ذلك، وكانت هذه الصراعات تستمر حتى الموت، ناهيك عن أنهم استخدموا بشراً من طبقة العبيد في هذه العروض، والتي تهدف إلى الترفيه والمتعة كما يفترض.

نشأ السيرك الحديث

ربما لا ينبغي أن نلوم الرومان وغيرهم في تلك الفترة، فقد كان الناس ذو تفكير بدائي آنذاك، ولكن ماذا عن العصر الحديث؟

نشأ السيرك الحديث في بدايات القرن التاسع عشر، ابتداءاً من ألعاب الفروسية والألعاب البهلوانية، ويعتقد أن أول مرة تم ترويض الحيوانات البرية لأداء العروض والخدع كانت في عام (1820)، وفي عام (1851) تمت إضافة حديقة الحيوان بحيواناتها المتنوعة إلى السيرك، بما فيها الأفيال.

تطورت عروض السيرك إلى حد ما، وقامت حكومات بعض الدول بحظرها أو بحظر استخدام الحيوانات على الأقل نظراً إلى انتهاكها لحقوق الحيوان، ولكنها لا تزال تقام في غيرها من الدول الأخرى بل وتعد مربحة بشكل كبير لأصحابها، وغالباً ما يحضرها العائلات، فمشاهدة عروضاً مختلفة للحيوانات وهي تقوم بخدع وحيل مميزة لهو أمر يثير الإعجاب، لاسيما لدى الأطفال!، غير أن الأطفال وحتى البالغين لن يعلموا غالباً مالذي يجعل هذه الحيوانات تقدم هذه العروض المميزة لهم، إنه التدريب بالطبع، لكنه ليس تدريباً لطيفاً مثل التدريب الذي يقوم به بعض مالكي الكلاب لكلابهم الأليفة بمكافئتهم، فالتدريب الذي تتلقاه حيوانات السيرك ربما لا يصلح لأن نسميه تدريباً، وهو موضوع حديثنا.

ما الذي تعانيه حيوانات السيرك

حيوانات السيرك غالباً ما تكون حيوانات برية، أي أن موطنها الأصلي هو الغابات وربما الصحراء وغيرها من الأماكن البرية التي لا يعيش فيها البشر، وعند تقييد هذه الحيوانات بأنواعها المختلفة معاً، وإجبارها على القيام بحيل معقدة لا معنى لها، تحت أضواء ساطعة ومزعجة في مكان مغلق، يملؤه أعداد هائلة من البشر، الذين يصيحون ويصفقون وتتعالى أصواتهم بشكل مخيف، فهل تظن أن الحيوانات ستكون سعيدة بذلك؟! الحقيقة هي أنها تؤدي هذه العروض ليس لأنه سيتم مكافأتها -كما يدعي المدربون- بل لأنها خائفة من العقاب!

منطقياً لن تكون المكافأة كافية لجعل أسد يقفز من خلال حلقة نارية، أو لإجبار قرد على ركوب دراجة، فحتى الأسد يخاف من النار مثل أي كائن آخر، والقرد من جانب آخر هو حيوان كثير الحركة، لو كافأته فقد يأخذ المكافأة ويهرب منك. لذلك العقاب هنا هو التدريب نفسه بكل معنى الكلمة، فيعتمد تدريب حيوانات السيرك على أساليب نفسية ذات درجات متفاوتة من الحرمان والعنف.

بدايةً، فإن هذه الحيوانات تقضي نصف يومها في أقفاص، وقد يكون حجم هذه الأقفاص مناسباً لها تقريباً أو قد لا يكون، بحيث لا يحيط بهم سوى القضبان الحديدية ومشاعر الرهبة والخوف والتي تتملكهم لمعرفتهم بما سيجري في النصف الآخر من يومهم، ذلك لأنهم يقضون النصف الآخر مقيدين من أطرافهم ورقابهم بسلاسل ثقيلة الوزن بهدف تعلم الخدع والحيل الصعبة التي لا نفع لها سوى إرهاقهم، ولكي تتقن حيوانات السيرك هذه الحيل، يتم ضربها بأنواع مختلفة من السياط والعصي الكهربائية!، وبدرجات متفاوتة من الشدة، إضافة إلى أدوات حادة يتم طعنها بها أو ما يشابه ذلك عند الحاجة.

تتعرض الحيوانات للضرب في كافة مناطق جسدها وحتى في وجوهها!، ومع ذلك قد لا يكون كل هذا كافياً لتعلم الحيل، أو قد لا تتقن الحيلة كما ينبغي، وهنا يأتي الدور لحرمانها من الطعام لفترات مجهولة الأجل، فربما يستمر الحرمان من الطعام إلى أن يتقن الحيوان ممارسة الحيل عديمة المغزى بأكمل وجه ممكن.


لكننا نتحدث عن حيوانات برية، فقد تكون حيوانات مفترسة مثل الأسود والنمور أو حيوانات ضخمة مثل الفيلة، ترى ألن تكون عنيفة وتهاجم المدربين؟

بالطبع! ولتجنب ذلك، يتم وبكل بساطة إعطاؤها جرعات مناسبة من المخدرات قبل العرض أو قبل التدريب لكي تهدأ، وبذلك لن تتمكن من المهاجمة وستتلقى حصصاً متنوعة من العنف، الأمر الذي لا يجعل لها سبيلاً سوى إتقان الحيل من أجل التخلص من الكابوس الذي تعيشه.

تسافر حيوانات السيرك بهدف أداء العروض على مدار العام تقريباً في جميع الظروف الجوية من البرد والحر، وقد تسافر لأيام متواصلة وهي تتنقل من مدينة إلى أخرى ومن ولاية إلى أخرى، فتقضي ما يقارب (96%) من حياتها بأكملها مقيدة بالسلاسل أو داخل الأقفاص، بحيث يتم حبسها داخل المقطورات والشاحنات بعيداً عن حاجاتها الأساسية من الطعام والماء الكافِيَيّن والعناية البيطرية، فيتم تقييد الفيلة وغيرها من الحيوانات ذات الحجم الكبير بالسلاسل، وتوضع القطط الكبيرة في أقفاص صغيرة قذرة لتأكل وتنام وتتبول في نفس الأقفاص لأيام، وغالبًا ما تكون سيارات النقل في حالة سيئة، وقد أكدت وزارة الزراعة الأمريكية عدة مرات على وجود مقطورات السيرك ذات الخشب المتشقق الذي تبرز منه قطع معدنية حادة قد تؤذي الحيوانات داخل المقطورة.

أدت أساليب التدريب والظروف القاسية إلى أمراض عديدة لدى الحيوانات المستخدمة في السيرك وقد كشفت العديد من التحقيقات البيطرية عن نوعية الأمراض والتقرحات التي تتعرض لها، إضافة إلى عدم سلامتها العقلية، وإحساسها الدائم بالخوف والخطر، سواء بسبب معاملتها وظروف عيشها أم بسبب الأفيونات والمخدرات التي يتم حقنها بها مثل المورفين والكواديين، أو حتى الحيل المرهقة التي أُثْبِتَ أنها سببت إعاقات بالغة لدى تلك الحيوانات.
 

فمثلاً يتم جلب العديد من هذه الحيوانات مباشرة من موطنها الأصلي في البرية، مثل الأفيال، حيث يتم تفريق صغار الأفيال عن أمها ليتم تقييدها وطعنها وضربها من أجل تعلم حيل مؤلمة مثل الوقوف والتوازن على طرفيها، وغير ذلك، فقد تم تشريح بعض أفيال السيرك بعد وفاتها ليتبين أنها أصيبت بالتهابات في القدم والمفاصل، إضافة إلى أنواع متعددة من الفيروسات التي تتبادلها نتيجة احتكاكها مع البشر بواسطة أدوات حادة، كما أعرب بعض الباحثيين عن خوفهم من احتمالية العبث بطعام حيوانات السيرك بهدف إكسابها نشاطاً محدداً، وبناءاً على ذلك تموت حيوانات السيرك بسن مبكرة بعد حرمانها العيش في الحياة البرية الملائمة.

تدريب حيوانات السيرك

دائماً ما كان تدريب حيوانات السيرك سرياً، وذلك لإخفاء الأساليب العنيفة التي يتم بها، إلا أنه في عديد من الحالات ظهرت أساليب التدريب للعلن، ففي بعض الحالات كان المدربون يحملون سياطاً يخفونها عن الجمهور في حين تبقى مرئية للحيوانات التي تؤدي العرض، وذلك بهدف تهديدها لعدم الوقوع في الخطأ أثناء الأداء، كما أفصح عن هذه الأساليب بعض مدربوا حيوانات السيرك أنفسهم، وقد تم تصوير العديد من حالات التدريب، كما في اللقطات التي التقطتها منظمة (PETA) لسيرك (Carson & Barnes) عندما كان يتم ضرب الأفيال بسوط معدني حاد يسمى "خطاف الثيران" وكان أحد المسؤولين يشجع المدربين الآخرين على ضرب الفيلة بقوله: اضربهم اجعلهم يصرخون!.

رغم كل ما تلاقيه حيوانات السيرك من قسوة فإنها لا تستسلم حتى الموت، وتنتهز أي فرصة ممكنة للهرب، فقد حصلت العديد من حالات الهرب لحيوانات السيرك، ولم يتم تسجيل جميع الحالات، فغالباً ما يتم القبض على الحيوانات الهاربة والتغطية على حادثة هروبها، ومع ذلك، لقد تم تسجيل الكثير من حالات الهرب، كما يكفي أن نذكر حادثة أو اثنتين قد سببتاً ضجة إعلامية كبيرة، كما في حادثة هرب الفيلة تايكي أثناء العرض في هاواي عام (1994)، فقد قَتَلَتْ مدربها وتسببت بجروح بالغة لحارسها، وبقيت تركض في المدينة لثلاثين دقيقة وهي تحطم كل شيء في طريقها، إلى أن أضطرت الشرطة المحلية لقتلها بالرصاص بعد أن فقدوا السيطرة عليها، وغيرها الكثير من الحوادث التي جرت حديثاً كما حصل في عام 2017، عندما قُتِلَتْ أنثى نمر تدعى ميفي والتي تبلغ من العمر 18 شهرًا، بعد أن هربت من سيرك بورمان مورينو في باريس، حيث تسبب هروبها وموتها باحتجاج شعبي واسع النطاق.

لا يمكننا في مثل هذه الحوادث إلا أن ننظر في الأسباب الكامنة ورائها، والتي يأتي على رأسها سبباً واضحاً، ألا وهو طلب الحيوانات لحريتها، وطلبها بعودتها إلى موطنها الأصلي، فقد تبين أن جميع الحيوانات التي هربت أثناء العرض كانت تهرب نتيجة شعورها بالتوتر والخوف من الضجيج، والضغط الناجم عن الجمهور بالدرجة الأولى، إضافة إلى كافة الأسباب التي سبق ذكرها.

الخاتمة

يبدو أن وسائل الترفيه اللانهائية التي ابتدعها البشر لم تكفِ للبعض منهم، مما جعلهم يلجؤون إلى الحيوانات، فأجبروا الحيوانات على أن تظهر وهي ضعيفة وخاضعة للسيطرة من أجل الترفيه، رغم أنهم هم من وصفوا هذه الحيوانات بصفات مثل القوة والشجاعة، وذلك كما في حالة القطط الكبيرة، فإن إظهار مثل هذه الحيوانات على أنها جبانة هو أمر ممتع بلا شك!، ذلك لأنه يلبي الرغبات الأنانية عند البشر بتفوقهم على تلك الحيوانات، وقد ادّعت بعض فعاليات السيرك أنها تعليمية، في هذه الحالة إذن فهي تعلم الأطفال حب الهيمنة والأنانية وعدم احترام الحيوانات!.

حقوق الحيوان لا تطلب شيئاً عدا ترك الحيوانات وشأنها، لاسيما الحيوانات البرية، فهي ليست للترفيه، إنما هي تحافظ على استمرار البيئة التي سبق أن دمرنا ما يكفي منها، ومازلنا مستمرين.

المصادر:


كتابة: شام منذر

تصميم: ترنيم الخولي و نرمين حرب 

ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق